12.4.08

إحنا شباب زى بعض



إحنا شباب زى بعض


أدمن صديقى ( عبد الستار العقر) القيام بنشر مجموعه قصصيه جديده أو روايه له مع مطلع كل عام ميلادى جديد – بالطبع على نفقته الخاصه- ما ان يقوم باستلام الارباح السنويه من المؤسسه التى يعمل بها حتى يذهب فى نفس اليوم للاستاذ ( أكرم عصمت ) صاحب دور( سعديه وش السعد) للنشر والتوزيع .... وقد صارحنى ذات ليلة فى جلسة مزاج ان الاستاذ (اكرم) صاحب دور النشر عليه حوالى 250 قضيه معظمها نصب وإحتيال وشيكات بدون رصيد ولكن على من ؟؟؟

هو فى كل مره لا يقوم بطباعة أكثر من 600 نسخه يستلمها جميعا فى شنطة سيارته الخلفيه ليقوم بتوزيعها بإهداء منه – شخصيا- للمقربين والمحببين والاصدقاء والزملاء.

أنا ( شخصيا) احصل على 60 نسخه أقوم بتوزيعها جميعا على محلات البقاله ، هو صاحب هذه النظريه وبحكم صداقتنا اقوم بدور المساعد فى تنفيذها

النظريه التى ابتكرها صديقى عبد الستار مفادها ان البدايه الحقيقية للكاتب القصصى أو الروائى فى مصر تمر بثلاث مراحل اولها من محلات البقاله عندما تمر اعين الجائعين على الكلمات الجميله التى غلف بها –عمدا- ربع كيلو جبنه اسطنبولى او "تمن" كيلو جبنه رومى كافيار فتأخذ لبه ويروق له الاحتفاظ بهذه الورقه المتشبعه برائحة الجبن مبهورا بما فيها من معان مأخوذا بسحر كلماتها ورشيق عباراتها ... وتأتى المرحله الثانيه وهى رحلة البحث عن هذه التحفه الثمينه وهو يقدم الورقه المهترئه لأصحاب الاكشاك والمكتبات وكأنه يبحث عن ضالة .... وكله أمل ان يجد هذه الروايه ليضمها بنفس راضيه الى مكتبته بجوار اعمال نجيب محفوظ ويحيى حقى وبهاء طاهر والطيب صالح وفريد عبد العزيز وأخرون .

دعنى اخبرك بالمرحله الثالثه والاخيره وهى المرحله التى دوما يحلم بها صديقى ( عبد الستار العقر ) ... إنها مرحلة البزوغ والشهره ....هو يقول من يدرى فقد تتحول فى يوم من الايام إحدى رواياتى الى فيلم سينيمائى يقوم بالتمثيل فيه كوكبة من نجوم السينما المصريه..... خاصة ان رواياتى كما ترى لاتخلو من المشاهد الجنسيه الصريحه وانا اعمل بالمبدأ الادبى الجديد :
" إكسر التابوهات ..... تاكل جاتوه وتحلى بشربات "
اليوم أخبرنى ( عبد الستار) ببشرى ساره .... ساره جدا ..... انه يقول .....
اننى نواة جيده لكاتب روائى جيد فإرهاصاتى التى سمحت له بالاطلاع عليها مؤخرا اجزمت له بذلك ..... فقط على ان اقوم بعمل إجازه لمدة 72 ساعه واقوم بتجميع هذه الابداعات فى ملف وترك الباقى له.
يومها أغلقت السماعه وعلى الفور قمت بتقديم إجازه من عملى لمدة ثلاثة أيام وانا أمنى نفسى بأن ((72 ساعه من العزلة)) كافيه ان تحولنى لأديب يشار اليه بالبنان ..... ونظرا لخبرتى الطويله فى مجال الصحافه وعملى كمخرج صحفى لفتره طويله- نوعا ما -بإحدى الصحف الصفراء فقد وضعت على مكتبى ورقه بدأت ارسم عليها خطوطا عريضه بداية من الجمهور المستهدف من رواياتى؟؟ ... وماهى المفردات المناسبه للتعامل معهم وجذبهم ؟؟.... الى أن وصلت إلى حجم "البونط" وشكل" الفونط "و حساب مسافة البياض بين الاسطر ونوع الورق ووزنه وخامته الى اخره.

جلست على مكتبى حولى أقلام رصاص نصف مللى ( روترينج) واقلام حبر سائل ( يونى بول) ورزمة اوراق كبيره وضخمه وأنا اكتب عن اى شىء فى كل شىء وارتشف ببطىء من فنجان القهوه المره ..... صراحة هو ليس فنجان ..... هو كوب ماء كبير .... انا لا احب شرب القهوة فى فنجان .
عن يسارى سله مملؤه باوراق ممزقه ... وعن يمينى تليفون يصرخ طالبا ان ارفع سماعته
- الو.... مين ..... عبد الستار
عندما قالى لى ( عبد الستار) أخبار أديبنا الجميل إيه ؟ وجدتنى لا شعوريا اضع ساقا على ساق وارتمى بظهرى على كرسى المكتب واتكلم بصوت هادىء يوحى بالرزانه والوقار والارهاق
- الحمد لله يا ( عبد الستار) .... بحاول اجمع كام حاجه كدا والزقهم فى بعض بس اول مره اكتشف ان لغة السرد عندى ضعيفه جدا يا (عوبد )
أعطانى ( عبد الستار) نصيحته الذهبيه لتفادى هذه الثغره فى الكتابه قائلا:
( لوكنت فى السرد حمار سيبك منه وانجز بالحوار )
وبالفعل وجدتها نصيحه ذهبيه للتغلب على لغة السرد التى ترهقنى فى اختيار العبارات وانتقاء المفردات .
وقبل أن ينهى مكالمته اوصانى مره أخرى ان اجعل للنهود والمؤخرات نصيب الاسد فى الروايه.... وقد كان.
قبل الساعه السابعة صباحا كنت قد انتهيت من روايتى الاولى وكتبت فى أخر سطر فى الصفحه رقم 562 (تمت بحمد الله) .
والحقيقه اننى تعبت كثيرا فى اختيار عنوان مناسب لها ..... واخذ منى وقت ومجهود ذهنى اكثر من الروايه ذاتها .... فالعنوان هو اول ما سوف يجذب إنتباه جمهورى المستهدف .... وهو جمهور الشباب ... ولابد من أن يكون جاذبا ومثيرا للفضول...انا اعلم ذلك ... ولكن ما لا اعلمه هو أين لى بمثل هذا العنوان ؟؟؟؟؟....

فى نفس اليوم اتفقت مع عبد الستار على ان نتقابل ليلا فى مقهى ( الحرافيش) باول شارع فيصل وحرصت ان يكون ملف روايتى الجديده على الكرسى المجاور لى بسيارتى فى طريقى للذهاب اليه وانا تاره انظر لملف الرواية وابتسم وكانه أول أولادى وتاره أنظر للطريق ويعلو وجهى الوجوم والقرف للزحام الشديد وفشلى المؤكد كسائق فى شوارع القاهرة.
فى المقهى اخذ عبد الستار يقرأ باعجاب شديد بدا واضحا من الابتسامه التى تعلو وجهه وقوله ( بسم الله ما شاء الله ) عندما ينتهى من قراءة كل صفحه.... بل من كل سطر.
سألته متظاهرا بالقلق :
إيه الاخبار يا عبد الستار ؟؟
فأجابنى وكانه ناقد أدبى كبير:
- روايتك يابو الشباب تحفه أدبيه لا تقدر بثمن.... الله ينور يا سيدنا.

وزياده منه فى الاطراء وابداء الاعجاب والتقدير اردف قائلا:
- انا النهارده اللى هحاسب على المشاريب يا زميلى ... اطلب اللى انت عاوزه.
شكوت له من صعوبة اختيار عنوان جذاب ويوحى بمضمون الروايه فقال لى ما رايك فى ( مذكرات نهد ) فقلت له انها قديمه وتذكرنى ب(طفولة نهد) لنزار قبانى ...فعرض على عنوان ( نسوان من الزمن الجميل) وقال لى :
- اتطمن ( نسوان) دى لغه عربيه فصحى وان كانت توحى بغير كدا وهى دى الخدعه!!!!
ايضا لم يحلو لى هذا العنوان فطلبت منه ترك العنوان الى وقت لاحق ونبدأ فى وضع اللمسات قبل الاخيره لروايتى من مراجعة النص نحويا وتصميم صورة غلاف مبهرة ومفعمه بالالوان قبل تقديمها للطبع فقال لى :

- اتطمن يا حبى .... بالنسبه لصورة الغلاف اخونا ( محمود فوتو شوب) واخونا ( اشرف كمبيوتر ) هيخلصو الليله دى بخمسينايه ( يقصد 50 جنيه) .... وبالنسبه للتصحيح النحوى دا فممكن الاستاذ ( أكرم) يخلصهولنا أو نشوف مدرس لغه عربيه يخلصهالنا بكيلو شوكلاته ولا قلم مدهب كادوه.
وعلى الفور تبادر الى ذهنى الاستاذ ( محمد الخديوى) مدرس اول اللغه العربيه بمدرسة ( النور والامل الثانوية المشتركه) والتى كنت من اوائل الطلبه بها فى مادتى المجال الزراعى والمجال الصناعى .... عموما هو خير من يقوم بذلك وكم ستكون سعادته عندما يعرف ان تلميذه- الغير نجيب- فى طريقه ليوضع فى مصاف كبار الادباء.
لم نكذب خبر وفى اليوم التالى كنت انا و(عبد الستار) فى مكتب الاستاذ( الخديوى) وكان سعيد ايما سعاده عندما علم ان لنا اتجاهات أدبيه واننا قد خيبنا ظنه – أخيرا- عندما حكم علينا ظلما وعدوانا بالفشل فى مادة اللغه العربيه .... ليس هذا فحسب بل وكل المواد العقيمه التى درسناها طوال حياتنا الدراسيه .
ما ان شرع فى القراءه حتى وجدناه يقول :
إن لله وانا اليه راجعون..... إن لله وأن إليه راجعون .... نظر لى عبد الستار ولسان حاله يقول : مين اللى مات ؟؟؟؟ وفى اللحظه التاليه نظرنا للاستاذ ( الخديوى) من خلف زجاج نظارته السميكه وقد بدت عينيه كأنها شىء بعيد يبعد عنا مئات الكيلومترات وسألناه فى صوت واحد:
خير يا أستاذ خديوى ؟؟؟
فرمى الملف على مكتبه قائلا:
مش خير ابدا..... دا مش أدب .... دى قلة أدب ..... دى مصيبه يا حضرات... مصيبه وبحق.. كلما حاولت التركيز فى الروايه ظهر لى ( نهد )عارى او (مؤخره) متحركه والعياذ بالله ...هذا غير الكلمات التى ما انزل الله بها من سلطان .... تقدر تقوللى يا استاذ يعنى إيه ( هشكه) ؟؟؟؟ ( قالها كاسرا كل حروفها )
ابتسمت وانا اجيبه بتواضع:
اكيد يا استاذ (خديوى) .... اولا اسمها ( هشكه) بفتح الهاء والشين والكاف وتسكين الهاء الاخيرة.....هااااااا شااااااااا كاااااااااه..... وليس كما نطقتهابالكسر .... والهشكه هى (المزه) .....( والمزه) هى الفتاه الجميله .
بادرنا قائلا :
حاجه تفرح ......وما هو المطلوب منى يا اساتذه ؟ ( هكذا يتحدث خليط من اللغه الفصحى واللغه العاميه)
- مجرد تصحيح الروايه نحويا ... ووضع مجموعه من الصور الجماليه بها ومقدمه فى (صدر) الروايه نفخر بها يا استاذنا.
قام الاستاذ ( خديوى ) من على مقعده وهو يلوح بروايتى فى وجهنا قائلا:
- هى روايتك ناقصه (صدور) يا استاذ....روح انت وهو شوفولكم راقصه ولا عاهره من شارع الهرم تعملكم المقدمه وتصحح لكم لغة (الهشكات) التى لا أجيدها ... وحسبى الله ونعم الوكيل .
انفعل (عبد الستار)واحتقن وجهه بالدماء ووجدت كلاماته تخرج بحده وهو يقول للاستاذ (خديوى):
- طب وليه الغلط دا بقى يا سيدنا ؟
جذبته وخرجنا من مكتبه وهو ما زال ثائرا علينا و(عبد الستار) يعاتبنى قائلا:
- ضاقت بيك للدرجه دى ملقيتش غير المخرف دا تعرض عليه الروايه ؟

شرد ذهنى للحظات ثم قلت لعبد الستار وانا اقف معه فى أخر فناء المدرسه:

الروايه دى يا عبد الستار لازم تكسر الدنيا....... كل المطلوب مننا فى الفتره الجايه شوية "بروباجندا" من جيبى الخاص قبل النشر والتوزيع ....... انا مش عايز اكون ( الاديب الخالد )اللى هتعيش مجموعته الكامله فى المجامع العلميه وارفف المكتبات الاثريه .... انا هاكون (الاديب الواقعى) اللى بيكتب عن اللى بيحصل لينا وبيحصل معانا .... احلامنا...... طموحاتنا ..... انكسارتنا ..... احنا كلنا شباب زى بعض يا عبدو ... وانا مش بجيب اللى باكتبه من بيتنا.
عبد الستار وقد بدا حائرا :
- وياترى اخترت ليها اسم ولا لسه برضه بتدور ؟
- إن شاء الله حاسميها (إحنا شباب زى بعض)
ولازال الاستاذ ( خديوى) من خلفنا فى أول فناء المدرسه يركلنا باللعان والسباب وقد تبينا من كلاماته:
( لك الله يا أدب.... ملاعين.... زبالة....ولاد(...).





هناك تعليق واحد:

أسماء علي يقول...

احنا شباب وواقعي
ناس كتير من غير حبكة ولا موهبة بتعمل زي ابطال قصتك
..
مازلت عند رأيي
عين قاص موهوب بس عيبك انك مُقل في القصة يافريد...