12.4.08

ساعة تروح ، وساعة تيجى

صديقي الدكتور ( محمد منصور) كان يكبرني بعشرة أعوام إلا انه كان يعتبرني من أصدقائه المقربين وكثيرا ما كان يفكر معي بصوت عال.... هو لم يكن أكثر من شاب مجتهد طموح يحمل ملامح مصريه عربيه لا تخطئها عين .... جاهد كثيرا وسهر الليالي حتى حصل على أعلى الدرجات العلمية.
طوال سنوات دراسته كان يحلم أن يكون مثل أقرانه يمتلك الكثير من الملبس ويأكل ما تشتهيه نفسه ولكن نظرا لصعوبة تحقيق ذلك الحلم فقد عود نفسه مبكرا على التجلد والاكتفاء بوجبة واحده وعندما فتح الله عليه أصبحت عاداته القديمة جزءا من تكوينه الشخصي فالدخل الكبير الذي كان يحصل عليه من عمله بالجامعة لم يضف إليه شيئا وبالتالي كان يأخذ ما يكفيه ويضع الباقي في إحدى البنوك الخاصة التي اشتهرت في فترة الثمانينات بكشوف البركة وكان يمتلكها أفراد جماعة محظورة حتى أصبح لديه رصيد مالي ضخم نتيجة للفائدة المبالغ فيها
إلا أن وقع المحظور وأشهر البنك إفلاسه وضاعت أموال المودعين وضاعت معها البركة من البلاد..... والعقول أيضا.
كانت الصدمة قويه للدكتور ( محمد ) تركت في أعماقه جروحا غائرة كما تركت في الآخرين هذا خلاف أمراض أخرى مثل السكر والذبحة الصدرية
في هذه الفترة كنت في مرحلة دراستي الثانوية ووقفت معه قلبا وقالبا ، وأقسمت له أن الله سوف يعوضه خيرا وانه مع الصابرين وحمد الله وبدأ من جديدوبالفعل فقد عوض الله صبره خيرا و جاءته فرصه للعمل في إحدى الجامعات الخاصة بدولة الكويت الشقيقة بمبلغ مالي كبير .
و تم اختياره من بين أكثر من 50 متقدم وبجداره
و فى يوم من أيام صيف 1986 ودعته ودعوت الله له بسلامة الوصول والتوفيق و ألا يقطع الاتصال بيني وبينه... يومها وعدني بذلك واخبرني انه تعلم من غلطته القديمة ولن يحتفظ بأمواله في البنوك ولكن سوف يحتفظ بها في مكان أمن لا يصل إليه الجن الأزرق.... ووافقته على ذلك بعد أربع سنوات من الغربة وتحديدا في 2 أغسطس 1990 م تعرضت دولة الكويت لاجتياح من دولة العراق على أثره جمع الدكتور ( محمد ) ما خف وزنه وغلى ثمنه وحمد الله انه احتفظ بالنقود في منزله وركب سيارته عائدا مع الكثير من المصريين إلى مصر عن طريق البر ولكن أثناء عودته تحرش به مجموعه من العراقيين و جردوه من كل شيء...وتركوه كما ولدته أمه.عندما ذهبت لزيارته بعد أن عاد بخفي حنين قبلته في كتفه الأيمن وقلت له ( حمد لله على ألسلامه يا دكتور ) فبكى قائلا ( مخلوش حاجه ولاد اللذينه ) فقبلته فى كتفه الأيسر وقلت له ( الحمد لله على كل حال... المهم إنك بخير)
في هذه الفترة كنت في مرحلة دراستي الجامعية ووقفت معه قلبا وقالبا وأقسمت له أن الله سوف يعوضه خيرا وانه مع الصابرين وحمد الله وبدأ من جديدوظل لسنوات طويلة يعمل ويجد في أرض الوطن ويقابل تعبه وإسهاماته بالاستخفاف حتى بدأ يراوده( الحلم الأمريكي ) تحدث معي أنه يريد السفر إلى أمريكا لنيل المزيد من الشهادات العلمية التي أثقلت كاهله وحرمته من الزوجة والأولاد بجانب العمل هناك أيضا ... قال إنهم يقدرون العلم والعلماء أكثر من الراقصات ولاعبي الكره.... وأنه لا يشعر بثقله وقيمته العلمية داخل حدود الوطن وفى يوم من أيام خريف 1995 ودعته ودعوت الله له بسلامة الوصول والتوفيق وألا يقطع الاتصال بيني وبينه ... يومها وعدني بذلك واخبرني انه تعلم من غلطته القديمة ولن يفكر في جمع المال من أساسه بل سوف يزيد لنفسه خبرات ومهارات من راتب العمل وكذلك سوف يستمتع بحياته الشخصية.... ووافقته على ذلك .
وفى يوم من أيام شهر سبتمبر وتحديدا في 11 سبتمبر عام 2001 م تعرضت الولايات المتحدة لهجمات إنتحاريه بمركز التجارة العالمي بعدها حدثت تغييرات كبيره في السياسة الامريكيه بدأت بإعلان أمريكا الحرب على الإرهاب بصفه عامه وعلى العرب بصفه خاصة وأصبح وجود العرب فى أمريكا كابوسا .. فكل من يحمل ملامح عربيه كان يأخذ ما تيسر من البصق والسب أثناء تجواله فى شوارع المدينة لشراء حاجاته أو للتنزه وكان الدكتور ( محمد ) منهم ، وعندما جرحت كرامته وأصبح لا يحتمل المزيد قرر العودة إلى ارض الوطن في تلك الأيام كنت قد أنهيت دراستي الجامعية وحملت – رغما عنى – لقب (عاطل) ومثل كل مره وقفت معه قلبا وقالبا وأقسمت له أن الله سوف يعوضه خيرا وانه مع الصابرين
ولكن يبدو أن الأهوال التي تعرض لها الدكتور ( محمد ) قد أحالته إنسانا أخر ... إنسانا قويا يبتسم في وجه الصعاب.. ولا يمانع في أن يتحداها.... لقد رأيت الابتسامة تملأ وجهه وهو يقول لي الحمد لله أنا بخير - أنا زى الفل .. صح ؟- صح- أنا ميه ميه .... صح ؟- صح وظل يمازحني لفترة كبيره وقال لي انه ألان... وألان فقط أصبح يشعر بالخوف والوحدة
هربا من دموعه عرضت عليه دخول المطبخ لعمل كوب شاي وغسل الأواني وأخبرته أن كثرة مكوثي في المنزل بعد حصولي على شهادتي الجامعية قد أضافت إلى مهارات جديدة لم تكن في الحسبان ... مهارات من نوعية تنظيم المنزل وغسل الأواني و ( تسيء) البلاط وكذلك الطبخ والمسح
أثناء وقوفي في مطبخ الدكتور ( محمد ) وصنبور الماء ينهمر منه الماء الساخن على ( الحلل ) والأكواب دخل الدكتور ( محمد ) ممسكا عصا صغيره ضربنى بها على مؤخرتى قائلا : أحبك من الذى هو قلبى ورفعها مرة أخرى ونزل بها فجاءة لتستقر على رأسي وهو يقول:- مييين ؟ سى لطفى ؟؟؟
كان عليّ أن أجاريه وإلا برحني ضربا فأجبته مكملا المشهد السينيمائى المعروف وأنا أقلد حركات الممثل إسماعيل ياسين-
لطفي مين يا عم انت؟؟؟
فأخذ غطاءين من حوض المطبخ وضربهما ببعضهما البعض وهو يقول لامؤاخذة يا بنى اصل انا عندى شعره ..... ساعه تروح ..هاااه.. وساعه تيجىوأنا من ورائه اردد:
هاااااااااااااه .... ساعه تروح وساعه تيجىونرقص سويا في طرقات الشقه إلا أن وصلت لباب (الخروج) ولذت بالفرار
لا غرابه ... إن الوحدة ..... والظلم..... وعدم التقدير ثلاث صفات كافيه وكفيله أن تصنع أشخاصا إن لم يكونوا مجنونين ... فهم أقرب للجنون

هناك تعليق واحد:

أسماء علي يقول...

الجنون هو المهرب
صدقني كل شيئ أصبح أكثر من الكثير
لذا الجنون هو صديق لنا في الأزمات
وبطلك لجأ إليه كما نلجأ نحن إليه
...
ادعو لك بالجنون مثلي
:)