12.4.08

أبيض و أسود

أبيض وأسود

يومها كان الجو حارا شديد الحرارة أثناء ذهابك إلى العمل فطلبت من زملائك إغلاق النوافذ وطلبت من سائق الميكروباص تشغيل التكييف ، كنت جالسا على الكنبة الأخيرة تستمع إلى أحاديث زملائك المنفصلة تماما عن الواقع المرير والتي تعودت على تكرار سماعها وعدم التعليق عليها .
الكنبة الأولى جلس عليها مينا ومحسن وكان الحوار دائرا عن أيهما أجمل مؤخرة روبى أم مؤخرة هيفاء وهبي ؟ ، تخرج من أفكارك وهواجسك على صوت المهندس رأفت وهو يسأل السائق :ليه الوقفه دى يا اسطى حازم ؟؟ خير إن شاء الله ؟يأتى صوت السائق مطمئنا : كل خير يا باش مهندز ...... دا الباشا معدي .... شكله راجع من الشغل بدري وعلشان كدا الطريق واقف.الباشا ...
ما أكثر الباشاوات في بلدكم .... وما أكثر المرات التي تتوقف فيها سيارة العمل بالساعات حتى يمر باشا ما ويصل إلى منزله بسلامة الله وتذهبون انتم إلى أعمالكم متأخرين – بسلامة الله – أيضا ولكن القانون لا يعرف الباشاوات كما يقول لكم الأستاذ أبو العلا مدير الشئون الإدارية ولا بد من احتساب ساعات التأخير و تخصيمها من رواتبكم الشهرية .... وإذا كنتم تحبون العمل فاحضروا قبل مرور الباشا وإغلاق الطريق.
تقف بجواركم سيارة مدرسة خاصة تحمل طلبة وطالبات في مراحل ابتدائية مختلفة يحملق الأستاذ عماد في وجوههم فاغرا فاه وهو يقول لك :بسم الله ما شاء ..... شايف يا أستاذ وحيد الولاد بتوع المدارس الخاصة حلوين أوى ازاى .... ولاد ناس بصحيحتحاول أن تقنع نفسك للحظات بكلامه فتقع عيناك على أحدهم فتقول :شكلهم عادى جدا .... ربنا يخلي لك ولادك يا أستاذ عماد ينفعل وهو يقول : انت ح تجيب ولادى اللى بيكتبوا من اليمين للشمال بالعافية زى اللى بيكتبوا من الشمال لليمين زى الاكس تنهى الحوار معه داعيا له الله أن يكون هو وأولاده من أصحاب الشمال .
تحاول الهرب من ثرثرته بالبحث في صفحات الجريدة عن صفحة الإذاعة والتليفزيون.... وتمنى نفسك أن تجد فيلما لإسماعيل ياسين يتناسب مع موعد رجوعك إلى المنزل وجلوسك مع زوجتك لتناول العشاء.لازلت تعشق أفلام إسماعيل ياسين بكل سذاجتها الساحرة ولم تستطع الأيام أن تنسيك حبك للأبيض والأسود بصفة عامة وأفلام إسماعيل ياسين بصفة خاصة يقع بصرك على خبر مدعم بالصور يعلن انتهاء الحرب الفنية بين هيفاء وهبي وأخرى نصف مشهورة على أغنية عنوانها ( الواوا ) ... تجهد بصرك للتأكد من صحة ما قرأت .... هل هي (الواوا) أم اسم أخر ؟؟؟ ..... تمر أعينك على الأسطر الكثيرة التي تملأ فراغات الجريدة حتى تعرف في نهاية الريبورتاج أنهما قسما البلد نصفان فالأولى سوف تغير اسمها إلى ( بوس الواوا ) والثانية سوف تسميها ( واوا أح ) ويا دار ما دخلك شر.
صور الموضوع مستفزة وخادشة بشكل كبير وتحمل بين طياتها الكثير من المعاني والدلالات .... وصلت بك السيارة إلى مقر عملك .... تقوم بوضع إصبعك السبابة على الدائرة الالكترونية الموضوعة على بوابة الأمن فتقوم تلقائيا بتسجيل حضورك وفى الممر المؤدى إلى مكتبك تقول في سرك .... اللهم أنى أسألك خير هذا اليوم وخير ما فيه وأعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه ... اللهم أنى أعوذ بك من شرورهم وأجعلك في نحورهم .لك الحق أن تعوذ بالله من شرورهم وتجعله في نحورهم .... هم زملائك في نفس المكتب الكبير ولكنهم كونوا فرقة موسيقية بشكل جديدفهذا يطبل وهذا يرقص وهذا يلقى بالمواويل والسير الشعبية للموظفين على أذن المدير ... أما ( حسونة ) فقد اختار لنفسه دور مهرج المدير .. وأحيانا يلقى على مسامعكم مواقفه الطريفة التي لا تعد ولا تحصى وتنتاب زملائك هستريا ضحك على مواقف المدير ذو الوجه الأمشيرى وخفة ظله والتي هي من نسج خيال الأستاذ حسونة وإبداعاته الخاصة .
لك الله ... أنت لا تحب الغناء ولا تجيد الرقص ولا حتى العزف على أنية ولا تروق لك النكات ولا تستطيع تأليف سيرة شعبية لمديرك فكيف لا تعوذ بالله من شرورهم .... حنى مديرك المباشر يكرهك.... يصلك الكلام من طبال الفرقة انه قال في غيبتك انك مغرور وثقيل الظل وهو لا يريدك في إدارته يحاول الطبال جاهدا أن يأخذ ما تيسر من زلات لسانك لتوصيلها بسرعة البرق لمديرك ولكن يخرس الله لسانك في اللحظة ذاتها وتفضل سبه ولعنه في سرك .عمل أربعة من زملائك تقوم أنت به وحدك دون أن تشكوا من أحد أو لأحد .... وعندما تشعر باليأس ويهزمك الإحباط تقول بصوت عال ( فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون ) أثناء انهماكك في العمل تتذكر كآبة زوجتك في المنزل وتحولها إلى نمرة شرسة بعد سماعها خبرا من خيرة الأطباء مفاده أن فرصة الإنجاب لديها ضعيفة ... تتذكر كآبة المنزل وهو صامت الجدران بارد الأثاث بدون أولاد .... تتذكر المصعد العطلان ..... والإيجار المتأخر عليك .... تتذكر مرضك بالسكر وارتفاع ضغط الدم في الآونة الأخيرة........ تتذكر أشياء وأشياء كلها سوداء ولا يبقى لك من الأبيض سوى التحصن بالدعاء
تشير ساعة العمل إلى انتهاء اليوم مع انتهاء ساعات العمل ومع انطلاقة السيارة تبدأ رحلة عذاب جديدة .... ومخاوف جديدة .

هناك تعليق واحد:

أسماء علي يقول...

أتذكر قصتك هذه جيدا بسبب جملة معينة أضحكتني بسخرية شديدة أجدتها بتلقائية في نصك دون افتعال
حينما دعوت لزميلك أن يصبح أبناؤه من أصحاب الشمال
...
كتبت مثال عن حياة المستورين
وعليك أن تتصور أن هؤلاء أفضل من الكثير
كل ذلك وهو افضل من الكثير
لذا تحسرت بعد قصتك ..