12.4.08

عيد سعيد

على الرغم من جدران المنزل الكالحة إلا أنها مكنوسة جيدا ومرشوشة بالماء البارد , ارتمى على أرضية المدخل كليم عبارة عن بقايا أقمشة ضمتها يد قوية في متانة لا تخلو من ذوق ومن حس .
سرحت عيني حتى وقعت على الأرغفة النيئة البيضاء المتراصة بجوار بعضها وقد ارتفعت صدورها اللينة في إشارة لطلب من يعطيها النضوج وكان الفرن المثار( بالمحساس ) متحفزا لفعل ذلك .
أمام الفرن جلست خالتي (رجاء) تضع الأرغفة على المطرحة المصنوعة من جريد النخيل وتعطيها لنعمة , فتأخذ ها نعمة وتلقى ما فوقها في لهيب الفرن المتقد بأقراص الروث فتخرج السنة النار الحمراء من أسفل الفرن وتكاد تلامس يدها وخيل إلى أنها تود تقبيل أناملها .
وعلى حين غرة تتطفل فرخة خالتي رجاء الأسيرة لديها وتحاول أن تمد منقارها لتتذوق من ذلك العجين المختمر فتتعالى صرخات خالتي ( رجاء ) ودعوتها على الفرخة المسكينة أن تغور في داهية !!! , لكن الفرخة لا تأبى إلا أن تكرر المحاولة .
قامت ( نعمة ) بعد أن نفضت العجين عن يديها الناعمتين محاوله الإمساك بالفرخة ووضعها في العشة ولكن الفرخة اللعوب أخذت تجرى أمامها وكأنها فطنت إلى أنها تريد اللعب معها ( حاوريني يا طيطة ) !!!


لم ينتبها إلى طول وقوفي بالباب ومراقبتي لهما ..... لقد تعودت أن أدخل بيت خالتي ( رجاء ) هكذا دائما دونما استئذان ... ظلت عيني تختلس النظرات إلى ( نعمة ) لعدة دقائق قبل أن يلاحظا وجودي
- تعالى يا عيد .... دا عيد ابن عمى ( سعيد ) يامه .
- قطيعة ( عيد ) و أبوه .... غور ياواد محنش فاضيين
لم أعبأ بكلامها فعهدي بها دائما أنها ( جلياطة ) وامتلأت شجاعة لا اعلم من أين أتتني فوجدتني لا شعوريا أتقدم نحو ( نعمة ) وظللت أنظر لعينيها البنية وضفائرها السوداء ووجهها الجميل , وأشبعت نفسي بتلك المشاعر التي لازلت أكنها لها رغم زواجها من ابن خالتي ( رجاء ) .

- والنبي يا نعمة قومي العبي معايا
ابتسمت وهى تنظر بخوف إلى خالتي ( رجاء ) التي قالت بامتعاض :
- ياواد بأقولك غور بدل ما أقوم أدور فيك الضرب.... وانتى يا نعمة قومي ناولينى كبشة دقيق من المندرة
قامت نعمة بتكاسل شديد وهى تقاوم رغبتها العارمة في اللعب معي وأنا لا زلت أكرر طلبي على مسامعها
- والنبي يا ( نعمة ) قومي العبي معايا ..... قومي العبي معايا



كانت ( نعمة ) في نفس عمر أختي ( سعاد ) ... وكانتا يكبراني بخمس سنين , في أيام خوالي كنا نقطع سويا أعواد الغاب محاولين صنع ناي أو صنارة ... ولكننا أبدا لم نعزف لحن ولم نفلح في اصطياد سمكة .

وكنت أسخر من كل شيء يفعلاه حتى وإن كان جميلا .

( نعمة ) و ( سعاد ) تزوجتا في سن صغيرة وفى نفس اليوم .... فلا حضرت الأولى فرح الثانية ... ولا حضرت الثانية فرح الأولى , ومنذ أن تزوجا أصبحا لعبي مملا بلا طعم

كثيرا ما كنت ألاحظ ( نعمة ) وهى تراقبني من نافذة حجرتها بعد الزواج وأنا ألعب ( تريك تراك ) أسال رفاقي : تريك ؟ وعندما اسمع منهم : تراك أرفع العصفورة الخشبية بيدي في الهواء واضربها بالعصا الطويلة وأوزع اهتمامي بين رحلة العصفورة الخشبية في الأفق والتي سوف تسقط على الأرض مهما بعدت وارتفعت- لا محالة - وبين نعمة التي تتابع لعبي وتبتسم لي حتى وأنا ألهو بقطعة عجين سرقتها من أحدى المنازل .

- نعمة
- نعم يا ( عيد )
- أنا بحبك وعايز اتجوزك
وقبل أن يأتيني ردها قامت خالتي ( رجاء ) من أمام الفرن وكأنما لدغتها حية وجاءت بالمقشة البلح وحاولت أن تضربني بها وهى تصيح :
- نهارك اسود..... نهارك مالوش ملامح
إلا أنني استطعت الإفلات منها وبعد أن خرجت إلى الشارع العريض وأمنت شرها جلست وحدي على شط الترعة حتى رأيت بنت جميلة لست أعرفها تحمل على إحدى كتفيها شنطة بيضاء،اقتربت منها وسألتها :
معاكى ايه يابت فى الشنطة ؟
فابتسمت وفتحت شنطتها وأعطتني قطعة عسلية كبيرة , أحسست بالخجل تجاهها فسألتها :
- هو انتى اسمك إيه ؟؟
- أسمى غادة .... أنا مش من بلدكم ... وممكن نبقى أصحاب .... إنت إسمك إيه ؟؟
قبل أن أجيبها جمعت كياني بأكمله في عيني فوجدتها صورة طبق الأصل من ( نعمة ) فأجبتها بسعادة بالغة :
- إسمى عيد ....... عيد سعيد

هناك تعليق واحد:

أسماء علي يقول...

حب طفولي
برئ حقا ..
قصة ببساطة شديدة أوضحت لنا الجو القروي
والأفكار للأطفال
ومشاعر المراهقة
تلك المشاعر التي لو دامت فإنها تكون الأروع
لكن من يتركها ..
نحن في مجتمه لا يفهم الحب
ومن بدايته يُقتل ..
لذا نكمل برؤى متشابهة
مع آخرون وآخريات نتوسم بهم الشبه
لنضيعهم ونضيع ..